/المسامحه/

أخطأت يومآ بحق أحد ما من الأهل والأصدقاء ..ثم قلت
(آسف)..أو قلت (سامحني)..فهل من فرق..؟ربما فرق طفيف
..فقبل أسفك ..أو سامحك..ثم..؟
بعد مدة يحدث موقف آخر ..لاعلاقة له بالأول ..فإذا بالإنسان
الذي سامحك يحاسبك حسابآ عسيرآ وربما ينفجر بك غاضبآ ..وربما يجرحك بما
استطاع من عاديات الكلام والقول ..ثم تأتي الطامة ..أن يخرج قائمة (المسامحة) تلك..
ويقول:
أنا فعلت لأجلك ..ولم تقدر ..وقبلت أسفك ..
أنت فعلت بي ..فسامحتك..
أنت عملت كذا وكذا ..وانا تغاضيت ..
أنت فعلت كيت وكيت ..وأنا سامحت ..
وتقف انت مدهوشآ من هذا التناقض والألم الذي يسببه لك مثل هذا التصرف ..
حسنآ أنت مخطئ الآن وهذا ليس محل النقاش ..أنت تحاول حل الأمر ..تعتذر..
فإذا من أمامك يخرج لك هذه القائمة في كل نقاش ومواجهة..
فهل من المسامحة ..أن (نتغاضى) عن بعض اخطاء من أمامك..لتفجرها في لحظة غضب
في وجهه على شكل (قائمة)..؟!
هل يصح أن نطلق عليها (محاكمة)..لا (مسامحة)..هذا النوع من التصرفات الخالية من
الحساسية والتفهم ..؟
مامضى قد مضى ..لا يمكن اصلاحه أو العودة إليه ..فعلى الأقل لاتحاكم الماضي..
لاتعد لتنبش في شيء أنت تدعي أنك تجاوزته وسامحته وغفرته ..
فما هي المسامحة إذآ؟!!
أنها منطقة صعبة جدآ..قليل من الناس من يصلها ..لقد زكى الله بنفسه وامتدح هؤلاء
الذين يملكون القدرة على المسامحة ووعدهم بتخصيص الأجر من عنده
(من عفا وأصلح فأجره على الله)..
إنه من قلة العقل أن نظن من يسامح أنه خفيف العقل ويسهل التلاعب به ..
ومن وحشة الشعور أن نستغل فرص التسامح لا في اغتنام الفرصة ..
بل بالمزيد من مغافلة المسامح والعبث بمشاعره..
النفس الإنسانية بقدر ماتعرفها فأنت تجهلها لكننا على وعي كاف
بأن نتعمق في مشاعرنا لنعرف حقآ أننا عندما نسامح أحدآ ما فنحن نبعث الأكسجين في أكثر
من رئتين ...! نحن نبثه في كثير من الصدور حين نمنح العفو وأولها صدورنا نحن ..
لا راحة كراحة أن تعيش وليس في قلبك غل أو قهر من شخص لأنه فاقك بشي ما أو كتب ا
لله له شيئآ لم يكن لك ..
ولا شي يغلب في القلب شعورك بخفة عجيبة حين تتناسى إساءة ما حدثت لك ..وتهمس لنفسك
(الله يسامحه)..وهنا بالضبط تأتي الصعوبة أن نصل لهذا الشعور وليس فقط نحققه بل نتمتع به إن شعور العظمة والرقي
الذي تستشعره يوم أنك تسامح وتعيش حياتك بعيدآ عن منقصات الحقد ..وأمراض القلوب ل
و شعور خاص يستحق التعب والمحاولة .
ولكن شعور المحاكمة والمحاسبة شعور قاسٍ ويورثك مرارة وحسرة وترقبآ لكل تصرفات الناس وكأنك
وكيل عليهم ويحصي كم مرة يخطئون وأنت تسامح !
وكم مرة يؤذون وأنت تعاتب ثم تعفو!
ثم تبدأ بعيش دور (الضحية) الذي هو شمعة تذوي لتضيء للأخرين وه العتبة التي يرتقونها ليحققوا
أنفسهم على أكتافه ..
بينما في الحقيقة هو من وضع نفسه في هذا المكان وارتضاه بدعوى أن قلبه كبير ويسامح!!
لا ليست المسامحة عفوآ بالمطلق وكأنك مستباح الحقوق وليست محاكمة قاسية تقلب الحياة لغرفة
تحقيق ضيقة وخانقة ورديئة الإضاءة..
المسامحة دنيا من الشعور بوابتها ومضة صغيرة ..نشعر بها عندما نراقب انفسنا جيدآ ..
يوم أن يسكب الطفل العصير من كأسه على ملابسك .. وأنت تستعد للخروج ..
فتحنق ..ثم تنظر لعينيه الخائفة ..وتكظم مابك ..ثم تمسح على رأسه وتقبله ..
وتصلح ملابسك وتخرجان سويآ هذه اللحظة الصغيرة من الراحة ونسيان كل مامضى
ضاعفها مئات ألوف المرات ..نعم هذه المسامحة..